إفتتاحية مجلة أبقار وأغنام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    Ghassan03

مظلومة أنت يا بقرة

لقد خلق الله لنا الأبقار لترعى الزرع وتساعد على تحفيز نموّه بسرعة وتغذية تربة الأرض ببرازها المُشبع بالأنزيمات والمغذيات الضرورية للنبات. لكن مع تضاعف عدد سكان الأرض وزيادة استهلاك الفرد من اللحوم والأجبان والألبان كان لا بدّ لنا من إنشاء مزارع ضخمة من الأبقار للتربية المكثّفة والحديثة لإنتاج ما يكفي لتغذية إنسان اليوم.

من ناحية أخرى، كثُرت الدراسات العلمية في العقدين الأخيرين حول الآثار السلبية للّحوم الحمراء على صحّة الإنسان وحتى الآثار السلبية للحليب والألبان والأجبان وجميع مشتقاتها...

و"ما زاد الطين بلّة" هو كثرة الشكاوى من تسميم الأجواء بغاز المثنيايد والكربون على السواء. وتبيّن الدراسات الأخيرة أنّ الأبقار مسؤولة عن تلوّث الهواء بنسبة لا تقلّ عن 15% إلى 18% من جميع الغازات الضارّة على سطح الكرة الأرضية.

ولإعطائنا فكرة عن فداحة هذه النسبة يكفي القول إنّ جميع الغازات الضارة المنبعثة حالياً من قطاع النقل كالطائرات والبواخر والقطارات والسيارات وغيرها تشكّل فقط 25 % من مجموع الغازات في العالم والمسبّبة لتوسّع ثقب الأوزون في أجوائنا... وقد نقترب من ضخامة هذه الأرقام... والقائمة السوداء تطول ولا تنتهي ...

فتربية الأبقار تستثمر حالياً ثلثي أراضي المعمورة الصالحة للزراعة. كما أنّها تستهلك الكثير من الحبوب والبروتينات النباتية منافسة الإنسان في قوته...

أمّا الأخطر من كلّ ذلك هو استهلاكها المُترف للمياه إذ أنّه يلزمنا أكثر من 50 ألف ليتر من المياه لإنتاج كيلوجرام واحد من اللحوم...

هذا عدا تلوّث الأراضي والأنهر من مخلّفاتها وخصوصاً المضادات الحيوية التي انخفضت فعاليتها لمعالجة الكثير من الأمراض عند الإنسان بسبب اكتساب الجراثيم مناعة ضدّها...

مسكينة هذه البقرة يبدو أنّ العالم بأسره يريد محاكمتها وربّما إعدامها أو تقليص وجودها ضمن سجون بعيدة جداً...

ربّما لهذه الأسباب تقدّمت بعض الشركات بطلب ترخيص بيع الّلحوم المنتجة في المختبرات من مؤسسة مراقبة الغذاء الأميركية  فهي لا تلوّث الأجواء ولا تتطلّب كميّات ضخمة من الماء كما أنّها لا تنافس الإنسان في مأكله من الحبوب.

فما حدا بولاية نبراسكا الأميركية بإصدار قانون يحدّد تفسير كلمة لحوم طبيعية فقط ممّا تنتجه الحيوانات الداجنة وغير ذلك فهو صناعي...

ورغم ذلك نرى ونسمع بمشاريع ضخمة لتربية الأبقار ومنها المشروع السعودي في قلب الصحراء وغيره...

إلى أين من هنا؟

هل يجب علينا التوقف عن تربية الأبقار؟

لا أعتقد ذلك. فالعلم والتكنولوجيا يعملان على حلحلة هذه المعضلات وخاصة من ناحية استهلاك المياه وتلويث البيئة... فقد قرأت الشهر الفائت  دراسة جديدة تفيد بأنّ استهلاك نوع من فطر الألجا المائي يخقض من إنتاج غاز الميثانعند الأإبقار بنسبة 82%.

وهناك دراسات واختبارات عديدة تمكّننا من تخفيض استهلاك  المياه إلى النصف بل أكثر...

قد تكون الطريق طويلة ومتعرّجة للوصول إلى ما نصبو إليه من تربية الأبقار في بيئة نظيفة واستهلاك ضئيل للمياه وربّما للحبوب أيضاً... ونحن سلكنا هذه الطريق رغم صعوبتها...

ومن سار على الدرب وصل...

November 2024
S M T W T F S
27 28 29 30 31 1 2
3 4 5 6 7 8 9
10 11 12 13 14 15 16
17 18 19 20 21 22 23
24 25 26 27 28 29 30

4334 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع