العاطفة هي الأساس
فيما كنت أتصفّح بعض المواقع على شبكة الإنترنت، لفت انتباهي مشهداً مصوراً يُظهر مروحية تنقل بقرة ثُبّتت عليها بطريقة راقية بحبال عقدت بشكل مدروس. وما إلاّ لحظات حتى لحقت بها مروحية ثانية ... وثالثة ... حتى تمّ نقل عدّة بقرات الواحدة تلو الأخرى.
يا له من مشهد غريب ومثير بالنسبة لي، أنا الذي اعتدت منذ الطفولة على رؤية حبل رُبط حول عنق البقرة تشدّه يد المربّي عند الضرورة لا أكثر...وأحياناً يضربها كي تسير.
وتحقّقت من الموضوع فعرفت أنّه تمّ نقل 10 بقرات مصابة بهذه الطريقة بمروحيات فوق تلال منطقة كلاوسنباس، وسط سويسرا...
وأشار أحد مالكي الأبقار إلى أنّ سبب نقل الهليكوبتر لها هو أنّها يجب أن تنقل إلى مراعٍ لا تصل إليها السيارات وهي مصابة لا يفترض بها السير هكذا فسافات طويلة حفاظاً على صحّتها.
وستتوجّه الأبقار بعد تجمّعها في أحد المواقع إلى قرية "أرنربودن" في جبال الألب، حيث يقيم المزارعون مهرجاناً سنوياً للماشية.
من منّا لا يحلم بالطيران فوق جبال الألب؟ من منّا يستطيع أن يعرف بمَ شعرت هذه الأبقار أثناء الطيران؟ هل من دراسات تثبت مدى سعادتها أو ربّما خوفها؟ هل ارتفع عندها هرمون السعادة "السيروتونين" (Serotonin) في الجو؟ من يدري؟
أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ "مشاعر" الأبقار تؤثّر إيجاباً على إنتاجيتها إذ تدرّ حليباً (لبناً) أكثر باعتبار أنّ السعادة ترتبط بضخ مجموعة من المواد الكيميائية التي ترفع معدّلات الكالسيوم في الدم ما يجعل الحليب أكثر غنىً بالمعادن. ويعدّ هرمون "السيروتونين" المسؤول الأوّل عن الشعور بالسعادة.
ألا يفترض بنا تدليل بقراتنا وإسماعها الموسيقى وتأمين مستوى معيّن من الرفاهية لها؟
صحيح أنّها وسيلة للربح المادي لكن إن لم نُرفّهُها فالخسارة بانتظارنا وأقلّه انخفاض مردودها من الحليب؟
علينا التعامل معها برفق وتدليلها قدر المستطاع فنحن منذ أن تلد نسلخ عنها مولودها ونبدأ بحلبها يدوياً في السنوات الماضية واليوم بواسطة الروبوت. نسينا أنّها كائن حي وبحاجة لـ "لمسة بشرية" (Human Touch) تشعرها بالأمان والحنان كي تبذل كلّ طاقاتها لتقديم أفضل إنتاج لنا.
كلّ المبادئ الإنسانية والأديان السماوية تدعو للرأفة بالحيوان باعتبار أنّ ذلك يدلّ على قلوب تنبض بالحبّ والحياة والرحمة. لا يمكن تعذيب الحيوان وهو مصدر رزقنا وقوتنا في معظم الأحيان. هل نسينا أنّ في الهند يعبدون البقرة ويقدّرون إنتاجيتها!!!
أين نحن اليوم في منطقتنا العربية؟ ماذا عن مزارعنا وأي أساليب إدارية نتّبع؟
هل نحرص على رفاهية الحيوان؟ هل نراعي مشاعره وأحاسيسه في التربية أم نراه فقط كما يقول التعبير العامي "بقرة حلّابة"؟ كيف نستثمر في قطعاننا؟ هل نميّز بين السليم والمعتلّ؟ وبين الحامل والوالدة حديثاً؟
نحن دوماً بحاجة إلى التعلّم من الغرب ولا أعرف ما ينقصنا كي نكون السبّاقين والمتميّزين في الرأفة وحُسن الإدارة.
كانت أوّل مرة أرى فيها بقرة تطير، فجلست أفكّر وأحلّل مشاعر وأحاسيس هذه البقرة؟ هل كانت سعيدة يا ترى؟ بمَ شعرت؟ هل استمتعت في رحلتها الجوية؟ أفكار تراود خيالي وإذا بي أغطّ في حلم يقظة فرأيت البقرة تضحك فرحاً وهي ترندح بعض الأغاني، كنت أنظر إليها بسرور سعيد لسعادتها وإذا بي أستيقظ من غفوتي على دوي انفجار قوي؟ أين؟... كيف... ماذا؟ ... لا أدري.. فتحت عينيّ ولم أستطع رؤية أي شيء ، كنت في ظلمة حالكة. فصرخت من أعماق قلبي" يا إلهي متى ستنتهي هذه الظلمة ومتى سنصل إلى نهاية هذا النفق المظلم ونخرج منه؟ ".