كلمة النّاشر:قبل فوات الأوان
ذهبت في أحد الأيام لزيارة مزرعة، وأثناء انتظاري في قاعة الاستقبال لفت انتباهي لوحة معلقة على الحائط وعليها كلاما" بدلا" من صورة مميزة فدفع بي الفضول الى الاقتراب منها وقراءة ما كتب عليها:
حفيدي العزيز،
أوصاني جدّي أن أحافظ على البيئة وأحترمها في مختلف تصرفاتي غير أن ضغوطات العمل وحدّة المنافسة وهوس تقليص تكاليف الانتاج قد أعمت بصيرتي وأنستني البيئة وصية جدّي:
حافظ على البيئة واترك الكوكب نظيفا" كما وجدته...
أنا اليوم جدّ متأسّف يا حفيدي فانّي أقدّم لك كوكبا" مريضا"، منازعا" وملوّثا".
لا يمكنني أن أطلب منك أن تبقي البيئة نظيفة كما استلمتها وكما أوصاني جدّي وأنا الذي اقترفت أبشع الجرائم بحقّ هذا الكوكب. أنا أخجل من نفسي وأطلب منك أن تترك هذه البيئة لأحفادك أنظف ممّا استلمتها، نعم أطلب منك أن تتفادى أخطائي وأن تضع نصب عينيك البيئة وتدخل تكاليف التنظيف في تكاليف الانتاج. لا تدع الجشع يهدم ما بناه آباؤنا وأجدادنا ولا تفسح المجال لأنانيتك أن تزيل ملح عرقهم من هذه الأرض...
الاصلاح يبدأ من الذات يا جدّي، ضع نصب عينيك مهمّة حماية هذا الكوكب الذي سيكون مسكنك ومسكن أولادك...
وكن راشدا" في ادارة مزرعتك، كلمة "ترشيد" هي من مفاتيح الادارات الناجحة: ترشيد ادارة المزارع، ترشيد استعمال المضادات الحيوية واستعمال المعقمات، ترشيد الطاقة...كلّ هذا يحمي الكوكب. اعمل جاهدا" لحماية هذه البيئة ولو خسرت بعض أرباحك فالحياة معادلة فيها أخذ وعطاء.
وأنا هنا لا أعفي الحكوكات من دورها فهي الكفيلة بفرض الضرائب على كلّ مخالف ومجرم بحقّ هذا العالم.
أكرّر اعتذاري يا حفيدي لأنّي أثقل كاهلك بتنظيف ما لوثته فأنت ستنظّف عنّي وعنك لكنّك قد تسلّم أمانة نظيفة لأولادك.
"البيئة ثمّ البيئة"
هذه ليست رسالة ولا وصية وحسب انّما هي جلسة تعذيب لصحو ضمائرنا من سباتها العميق للتفكير بأبعد من جيوبنا وأرقى من جشعنا. صحيح أنّه علينا أن نبني المزارع وننتج لاطعام العالم وهذا يؤذي الطبيعة والكوكب لكن لا يمكن تفادي عمليات الانتاج بل يمكن الحدّ من أضرارها قدر المستطاع. يجب الزام المصانع على التخلّص من قمامتها وموادها الكيميائية بطريقة آمنة بيئيا"، وتكثيف برامج التوعية البيئية عن طريق تدريب المزارعين ممّا يسهم في الحفاظ عليها وذلك لضمان حقّ الأجيال القادمة في العيش في بيئة آمنة.
وأنا بدوري أنقل هذه الكلمات للقرّاء وبينهم المربّي والطبيب البيطري ومنتج الأعلاف وصاحب المسلخ (المجزر)...فجميعنا مسؤولون عن الحفاظ على هذه البيئة، فلنتعظ قبل فوات الأوان.