كيف تكبت السموم الفطرية¬ مناعة الدواجن ضدّ الأمراض المعدية
إعداد: د. تركي سراقبي - اليمن
تقديم
إنّ من أكثر العناصر الكابتة (الخافضة) للمناعة التي يمكن أن توجد في أعلاف الدواجن وعلائقها هي السموم الفطرية. والتسمّم الفطري هو اسم لمتلازمات إكلينيكية مختلفة في الطيور، تتّبع إستهلاك علف يحتوي على «ذيفانات» فطرية. فالإستجابات المناعية المختلفة، سواء كانت خلوية، أو خلطية، سوف تتأثّر بالـ«ذيفانات» الفطرية الموجودة في علائق الحيوان. وأكثر تخصيصاً في إنتاج الدواجن؛ فهذه السموم الفطرية بالتفافها، ومراوغتها، وتأثيرها على الأعضاء المناعية مثل الطحال، والتوتة، وجراب «فابريشي» (البيرسا) إنّها تخفض الاستجابة الضدية للّقاحات، وتفسد الاستجابات المناعية الفطرية كنتيجة حتمية لتلوّث علف الدجاج بذيفان فطري، حتى وإن كان بتركيزات أقلّ من تلك المطلوبة لإحداث علامات التسمّم الإكلينيكية.
فبعض من السموم الفطرية الأكثر شيوعاً في إحداث الخفض، والكبت المناعي في الدجاج هي «الأفلاتوكسين»، و«الأوكراتوكسين»، و«السترينين»، و«الأووسبورين»، وسموم «الفيوزاريوم»، و«الفيموسينات»، و«الترايكوثيسينات»، بكلمات أخرى: معظم الذيفانات الفطرية. كما أنّ تلوّث علف الدواجن بـ«الافلاتوكسينات»، و«الأوكراتوكسينات»، و«الديوكسينيفالينول» و«الفيموسينات» يؤدّي بشكل فعّال ونشط إلى التداخل، والتعارض مع الاستجابات المناعية ضدّ اللّقاحات الفيروسية والبكتيرية.
الكبت والخفض المناعي الناتج عن السموم الفطرية
عموماً، فإنّ تداخل السمّ الفطري، وتأثيره على الاستجابة المناعية ليس واضحاً دائماً، لأنّ الجرعات المنخفضة من بعض السموم قد تكون، بشكل فعلي، ذات تأثيرات مفيدة، وذلك بحثّها على النمو؛ بينما الجرعات المرتفعة قد تكون تأثيراتها سلبية وضارّة. وقد سميت هذه الظاهرة بالإرهاق (hormesis)، ووصفت. مثلاً، «الأفلاتوكسين» 1 يؤثّر على النموّ ويحسّنه. بالإضافة إلى أنّ هناك سموم فطرية مختلفة قد تكون ذات تأثيرات مختلفة على الاستجابة المناعية، وفيزيولوجيا الأمعاء، والنموّ في بعض أنواع الفروج. و«الأفلاتوكسين» هو الأكثر معرفة بين السموم الفطرية في الدواجن، مع أنّ الدجاج مقاوم لتأثيراته السميّة مقارنة بالبط، والرومي. فبعد إبتلاع «الأفلاتوكسين» ب1، ينشط حيويًّا في الكبد، ويتحوّل إلى الأنواع 8 و9، الأعلى سمية، والتي ترتبط بالدنا (DNA)، أو بعد تميُّهها بالبروتينات مسبّبة تسمّماً خلويًّا. والنتيجة هي موت الخلية في الأعضاء اللمفية المناعية الأولية، وتُسبّب ضرراً في بنية الأمعاء، وخصوصاً في الفروج حيث تؤدّي إلى نقص الإنجاز، أي النمو. بالتالي، تنخفض الاستجابة المناعية الضدّية، والخلوية عموماً، مع أنّ معدّلات الاستجابة الضدية المنخفضة قد تزداد فعليًّا أثناء التعرّض الأولي للسمّ. أمّا الكتاكيت الناتجة من أُمّات تمّ تغذيها من علائق تحتوي على «أفلاتوكسين»، فقد لُحظ عليها أيضاً فساداً في الوظائف المناعية عندما فحصت في الأسبوع الثاني والثالث من عمرها. ولكن، لم تُعرف مدّة دوام التأثير السلبي بعد الفقس. على ما يبدو فإنّ (أف ب1) لا يؤثّر على وظيفة الحاجز المعوي (Intestinal Barrier) في القناة الهضمية، أو على الاستجابة المناعية المعوية الفطرية، مع الإشارة أنّ هذه البيانات ليست حصرية.
إنّ جنس فطر «الفيوزاريوم» مصدر لعدد من السموم الفطرية مثل «الفيومونسين» ب1، و«الديوكسينيفالينول» (دون)، و«ترايكوثيسينات» أخرى (مثل ت-2)، و«زيرالينون» (زيا)، و«الأوكراتوكسينات» (مثل أوتا)، تداخلت بالتسمّمات المناعية في الدجاج، والرومي، والبط. والمعدلات المنخفضة (15 جزء/مليون) من «الفيومونسين» ب1(ف ب1) التي أعطيت لفراريج في العلف لمدة 3 أسابيع، أنقصت النشاط البلعمي (للخلايا البلعمية)، وأنقصت الاستجابة الضدّية للقاحات مرض «النيوكاسل»، وأنقصت جين «الأنتلوكين-بيتا1»، و«أنترلوكين2»، و«أنترفيرون» ألف و«واي». وهذا المعدّل من (ف ب1) لم ينقص النموّ. فقد اعتُبر هذا المعدّل مقبولاً في علف الدجاج. إنّ نوعين من السموم الفطرية ينتميان الى مجموعة «الترايكوثيسينات»، (ت-1) و (دون) رُبطا بتعديلات مناعية في الدجاج. مثال على ذلك، إعطاء جرعات دون المميتة من (ت-2) للدجاج بين يوم و7 أيام من العمر، أي الأسبوع الأول، أنقص الحماية الناتجة من فيروس قوباء الرومي (اتش في تي) ضد التحدي بفيروس مرض ماريك. والذيفان (دون) ثبط تخليق الدنا (DNA)، والرنا (RNA)، والبروتينات، ولذلك يؤثّر على تجدّد الأنسجة وتكاثرها الأعلى، مثل الخلايا الظهارية في بطانة القناة الهضمية، والخلايا في الأعضاء المناعية. وبالتالي، لاحظ عدد من الباحثين زيادة حجم الطحال مع زيادة التكاثر الخلوي، و«ابتوزس»، وضرر الدنا في نهاية التجربة بعمر 16 أسبوعاً في دجاج بطيء النمو. إقترحت مجموعات بحثية أخرى أنّ تغيُّر نفاذية القناة الهضمية قد يسبِّب زيادة التحدّي البكتيري مؤدّياً إلى معدّلات أعلى من الأضداد الألفية (IgA) في الدجاج الذي لم يتناول علف فيه (دون) عنه في الذي كان في علفه هذا السمّ. كما تمّ ربط الجرعات المنخفضة من السمّ (ت-2)، و(دون) بزيادة معدّلات (IgA) ضد فيروس مرض «النيوكاسل»، بينما الجرعات العالية تسبّب انخفاضاً مناعيًّا. أمّا الفراريج التي تمّ علفها بعليقة تحتوي على (دون)، وتمّ تحدّيها بفيروس «جمبورو» فائق الضراوة (vv IBDV)، طوّرت تأثيرات أكثر شدّة من الفراريج التي تمّ علفها بعليقة خالية من السم (دون).
«الزيرالينون» (زيا) هو سمّ فطري إستروجيني غير إستيروئيدي، يستطيع الارتباط بمستقبلات الإستروجين. فقد وردت معلومات قليلة على تسميمه المناعي في الدجاج. على أيّ حال، هناك احتمال وجود (زيا) أو مستقلباته (نواتجه) الأيضية، والتي تتداخل مع فيروس الأنيميا المعدي للدجاج (CIAV)، لأنّ الحاث/ المقوّي لفيروس الأنيميا المعدي يشبه مستقبل الإستروجين. فقد رأى الباحث «ميللر» ومجموعته أنّ الإستروجين يرتبط إلى هذا الحاث / المقوّي لفيروس الأنيميا في دراسات استخدَمت جينات المقرّر المقوّد بمستخلص مقرّر الأنيميا. حتى الآن، لا توجد دراسة منشورة على قوّة (زيا) في زيادة الاستنساخ، وتكاثر فيروس الأنيميا المعدي.
إنّ التعارض بين «الترايكوثيسينات» والإستجابات المناعية معقّد. فيمكن للجرعات المنخفضة حثّ الاستجابات المناعية بإعادة تنظيم «السيتوكينات» والمحرّكات الكيماوية، بينما الجرعات المرتفعة منه
تثبطها.
أمّا سموم (أوتا) هي شديدة السمية لعدد من الحيوانات، تشمل الدجاج، وقد توجد في البيض من مصدره، وأعلاف الدواجن الملوّثة بها. فالاستجابات المناعية الفطرية والمكتسبة تنقص وتزداد القابلية للمرض في الدجاج المغذّى بـ (أوتا) بمعدل ١ جزء/ مليون وفي ذراريها. مثلاً، ٢ جزء/مليون (أوتا) يزيد بشكل معنوي (مهم) النفوق الذي تسبّبه السالمونيلا المعوية زمرة إنتيريكا سيروفار جالينورم
(Salmonella enterica subspecies enterica serovar Gallinarum)
ومن المهمّ ذكره، أنّ مركّبات من سموم فطرية مختلفة كثيراً ما توجد في العلف، وتتداخل مع بعضها، وتزيد في الغالب من التأثيرات الكابتة للمناعة. إن وجود السموم الفطرية في العلف واحتمال إنتقالها للأجنّة له تداخلات مهمّة، ويستطيع إرباك المناقشة لفقدان الوظيفة المناعية في القطعان التجارية عندما يحدث خفض، أو كبت مناعي فيروسي.
المراجع:
1. تركي سراقبي "مشكلات الدواجن الظاهرة والخفية من التسمم بالذيفانات الفطرية"، ٢٠٢٢. مكتبة الأنجلو، ١٦٥ ش محمد فريد، القاهرة، مصر.
2. كتاب "مناعة الطيور" (Avian Immunology,3rd. ed. Bern Caspers et. Al. 2022)