رزان زعيتر: في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: تزدوج المعايير لدى الحديث عن الحق في الغذاء في ظل الحروب والصراعات والاحتلال

رزان زعيتر
في العقدين الأخيرين، تحولت الأشكال التقليدية للحروب إلى نزاعات إقليمية وحروب أهلية وصراعات بالوكالة، تسببت بأضرار جانبية واسعة النطاق لحقوق الإنسان في البلد المستهدف، ففي الأشهر الأولى من عام 2022، تجاوز عدد النازحين قسراً 100 مليون للمرة الأولى على الإطلاق. وهو أعلى 4 مرات من عدد اللاجئين في عام 2010. كما وقد وصل عدد اللاجئين إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث بلغ27 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، 85٪ منهم تستضيفهم البلدان النامية.


على الرغم من أن هذه الصراعات يتم تصنيعها بشكل استراتيجي من قبل دول القوى العظمى لتحقيق مكاسبها الخاصة، إلا أن الدول النامية تترك لتعاني من العواقب، ويؤدي النزاع بجميع أشكاله إلى انهيار حاد في النظم الغذائية وسبل العيش، ويضر بحق الناس في الغذاء. وتشير التقديرات إلى أن 60٪ من الأشخاص المتضررين من الجوع يعيشون في بلدان متأثرة بالنزاعات. في حين يعاني 139 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد بسبب النزاع، وهو ما يمثل 75٪ من الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد من جميع الأسباب. وأخيرا، فإن 10 من أصل 13 أزمة غذائية رئيسية في العالم مدفوعة بالصراعات. في مناطق النزاع هذه، يمكن أن يكلف طبق بسيط من الطعام أكثر من أجر يوم واحد.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن استخدام الغذاء كسلاح في الصراع أصبح أكثر شيوعاً، تُدمّر المَزارع والمحاصيل والإمدادات الغذائية كتكتيك عسكري، كما يحصل منذ اكثر من 70 عاماً في فلسطين وبشكل مريع في غزة، مما يعطي قيمة للغذاء لا تقل أهمية في خوض الحرب عن السلاح المادي. لذلك هل من قبيل المصادفة أن تتركز معظم صراعات العالم في الجنوب العالمي؟ وهل من قبيل المصادفة أيضا أن هذه المناطق هي من بين أغنى المناطق من حيث الموارد الطبيعية؟ وأخيرا، لماذا تستمر هذه الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في الحدوث؟
يكمن الجواب في المعايير المزدوجة للنظام العالمي لحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي تواصل أكبر القوى الإمبريالية في العالم ، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، ممارسة نفوذها في تشكيل أجندة الغذاء العالمية، تستمر أيضاً في التحريض على العديد من الحروب التي تجوع الملايين من الناس ، وخاصة في الجنوب العالمي.

وبالإضافة لتأثير الحروب والاحتلال، تنطوي السياسات الغذائية والزراعية القائمة على نقاط ضعف مفاهيمية وتشغيلية وتقوض القدرات والأولويات المحلية من خلال تنفيذ تدخلات مدفوعة من الخارج. وقد أدت هذه التدخلات إلى تحقيق مصالح تجارية وسياسية ومؤسسية أدت إلى تسييس المساعدات أو تأخيرها. ولا يوزع جزء كبير من التمويل الحالي للدعم الغذائي والزراعي توزيعا عادلاً، وغالباً ما يكون مشروطا وخاضعا لمتطلبات لا تستطيع المجتمعات المحلية الوفاء بها. وعلاوة على ذلك، فإن تدابير المساعدة الغذائية تصمم وتنفذ بمعزل عن غيرها ولا تأخذ في الحسبان جميع أبعاد الأمن الغذائي والتغذية، ما يخلق فجوة سياسية ومؤسسية بين النهج الإنسانية والإنمائية ونهج حل النزاعات.
لقد ظهر مؤخراً مفهوم هلامي حول الترابط الثلاثي، بين “العمل الإنساني والتنمية والسلام” (Triple Nexus)، وذلك في محاولة لسد الفجوة بينهم ولتلبية احتياجات الناس بشكل أفضل، والتخفيف من المخاطر ونقاط الضعف، والتقدم نحو تحقيق السلام والعدالة، ولكنه لم يتم تطويره وتنفيذه بشكل فعال، وبالتالي فهو خال من أي قيمة حقيقية، مكتفياً بإعطاء الأولوية للأهداف القصيرة الأجل فقط. كما يفتقر هذا النهج إلى خطط وإجراءات محددة لتحقيق الاتساق بين ركائزه الثلاث. والأهم من ذلك، أن ركيزة السلام مغيبة. وهناك غموض في معالجتها لالتزامات حقوق الإنسان. وبدون معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع، ستبقى الشعوب التي تعيشه في حالة إخضاع.
وقد تم كتم وحصر دراسة الأسباب الكامنة وراء النزاع وكيفية تأثيره على انعدام الأمن الغذائي في المناقشات الدولية، إضافة للحاجة إلى الإرادة السياسية لاستئناف الحديث عنه.
كلمة السلام فضفاضة، ونحتاج بقوة لتحديد مكوناتها. بالإضافة إلى تعزيز النظم الغذائية المحلية، ومن الضروري أن نعطي الأولوية لدعم الحقوق بما في ذلك الحق والوصول إلى العدالة. وحده “السلام العادل” هو الذي سيضمن المتانة والمصالحة الحقيقية والتماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة.
وعلاوة على ذلك، يجب أن ننفذ الالتزامات التي تتجاوز الحدود الإقليمية للدول، أو بالأدق مسؤوليتها خارج حدودها الاقليمية ” Extra territorial obligations”، والتي نفتقدها حالياً في النظام العالمي لحقوق الإنسان؛ فغالباً ما تثير دول الطرف الثالث أو تحافظ على الصراع لسرقة الموارد، والتأثير على النتيجة الاستراتيجية لصالحها. نحن بحاجة إلى آليات مساءلة لتحميل هذه البلدان المسؤولية.
بالإضافة لكل هذا، يبدو أن بعض منظمات المجتمع المدني تتغاضى عن دورها كمدافعة عن حقوق الإنسان وكمساهمة في عملية الوساطة وحل النزاعات. وبدلا من ذلك، تختار المضي بالعيش على حساب هذه الصراعات ومعاناة الناس، مستفيدة من استمرارها.
ولإرساء حقوق الإنسان المبتغاة، لا بد من مجتمع مدني موحد وحر ليكون صوت المهمشين، ولإعطاء الأولوية لاحتياجات المجتمعات المتضررة، ولإعادة تشكيل التدابير غير الفعالة وغير المستدامة وغير المنصفة. ويجب أن يعزز بناء القدرة على الصمود قدرة الناس على منع الأزمات والتعافي منها، وليس مجرد الاستعداد لها أو استيعابها. وهذا كله يتحقق بتضافر جهود الدول والشعوب نفسها ومنظماتها القاعدية والأهلية، وبالإضافة لذلك بالنسبة لإقليمنا الإيقاف الفوري للحروب البينية العربية، عدا ذلك نكون نكرر ونرسخ وجهة نظر شعوب الشمال عن الحقوق الخاصة بها فقط ونعيد انتاج نكباتنا مرة بعد مرة.

November 2024
S M T W T F S
27 28 29 30 31 1 2
3 4 5 6 7 8 9
10 11 12 13 14 15 16
17 18 19 20 21 22 23
24 25 26 27 28 29 30

983 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع