برامج تكوين تراكيب أعلاف الدواجن فن وعلم وتكنولوجيا- أ. د. محمد الزوقري
مقدمة:
يعود تاريخ أول استخدامٍ لبرامج الكمبيوتر في تكوين تراكيب الأعلاف إلى العام 1950م بعد أن تمّ العثور على ورقة بحثية للعالِم Waungh والتي نشرها تحت عنوان "استخدام الكمبيوتر في تكوين تراكيب أعلاف ماشية اللبن تجارياً وبالحدّ الأدنى للتكلفة"، حيث كانت الحواسيب الآلية خلال تلك الفترة نادرة الاستخدام. بعد ذلك، تمّ تأليف أول كتابٍ خلال العام 1967م حول نفس الموضوع بواسطة Dent وCasey بعنوان " البرمجة الخطّية وتغذية الحيوان"، وقد استُخدِمت أجهزة الكمبيوتر على نطاقٍ واسعٍ في مجال تكوين تراكيب الأعلاف وتطوير الثروة الحيوانية مع توفر البرامج الخاصة بذلك حتى أضحى استخدام الكمبيوتر في مجال الإنتاج الحيواني وتغذية الحيوانات والدواجن لا غنى عنه إطلاقاً.
فقبل استخدام الكمبيوتر، كانت أغلب العمليات في هذا المجال غير محسوبةٍ بدقة وبذلك تزداد تكاليف العمليات الإنتاجية المختلفة؛ أما في ما بعد ومع مرور الوقت، أدّى استخدام هذه التقنية إلى خفض التكاليف بحيث أصبحت البرامج ذات كفاءةٍ عاليةٍ وسهلة الاستعمال فحدث تقدُّم مطّرد في علم تغذية الحيوان والدواجن. واكب ذلك ظهور العديد من البرامج المختلفة التي تسعى جميعها إلى تحقيق نفس الهدف وهو إنتاج تراكيب أعلاف متزنة وعالية الجودة باستخدام المواد الخام المتاحة وبأقل تكلفة ممكنة. وسنعرض في ما يلي لمحةً مختصرة لأهمّ الطرق والبرامج الإلكترونية المستخدمة على نطاقٍ واسعٍ في تكوين تراكيب أعلاف الدواجن إما لغرض البحث العلمي أو في الجانب الاستثماري التجاري في شركات الدواجن:
أولاً: طريقة التجربة والخطأ Trial and Error Method (TE)
تُعدّ طريقة التجربة أو المحاولة والخطأ (TE) من الطرق الأكثر شيوعاً وانتشاراً في تكوين تراكيب الأعلاف ويستخدمها الكثيرون لا سيما غير المتخصّصين. ويشير اسم هذه الطريقة إلى وجود عدة محاولات وتجارب وأخطاء يتمّ تعديلها وتصحيحها حتى يمكن الوصول إلى تركيبةٍ علفية قادرةٍ على تلبية الاحتياجات الغذائية للطائر. تتوفر العديد من البرامج التي تعمل بهذه الطريقة إلى جانب قدرة عملها على طرقٍ أخرى ومنها على سبيل المثال برنامج FeedMU المدفوع، ولهذا غالباً ما يتمّ استخدام برنامج Microsoft Excel المجّاني للاستفادة من هذه الطريقة في تكوين تراكيب الأعلاف. صحيح أنه بالإمكان من خلال استخدام هذه الطريقة بعد بذل جهدٍ وعناءٍ وضياع للوقت الوصول إلى الهدف المُراد وهو تكوين تراكيب علفيةٍ متزنة إلى حدٍّ ما لديها القدرة على تغطية الاحتياجات الغذائية للطائر إلى حد ما؛ إلا أن هذه التراكيب تفتقر إلى الجمع بين الاتّزان الغذائي والجانب الاقتصادي ... بمعنىً آخر، إن هذه التراكيب ليست ذات جدوى اقتصادية.
ثانياً: طريقة البرمجة الخطية Linear Programming Method (LP)
يمكن من خلال استخدام طريقة البرمجة الخطية (LP) التوصّل إلى تراكيب متزنة غذائياً تفي بالاحتياجات وبأقلّ تكلفة ممكنة، وذلك عن طريق الاستفادة من المعادلات الرياضية المتعدّدة. تحتوي كل معادلة من هذه المعادلات الرياضية على مجموعةٍ من الحلول والنتائج المتنوّعة. وبمجرد تطبيق أو إدخال التكاليف لجميع المكونات المُتاحة للتركيبة المُقتَرَحة، ستكون قادرًا على الحصول على مزيجٍ أو خليطٍ واحدٍ بأقلّ تكلفةٍ ممكنة. هذا ويمكن إجراء هذه العملية بمساعدة برنامجٍ كمبيوتري متخصّصٍ قادرٍ على تنفيذ الآلاف من العمليات الحسابية في أقصر وقتٍ ممكن لإعطاء تراكيب بأقلّ تكلفة. تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من البرامج المجانية والمدفوعة التي يمكن من خلالها تكوين التراكيب وفقاً لهذه الطريقة، وذلك ابتداءً من استخدام برنامج Uniform وWUFFDA الذي يعمل ضمن بيئة برنامج Microsoft Excel وقد تمّ تطوير هذا البرنامج من قِبل Pesti وMiller في جامعة جورجيا الأمريكية خلال العام 2003م. بتفعيل أداة الوظائف الإضافية Solver في برنامج إكسل Excel، يصبح البرنامج خيارًا مُتاحًا على نطاقٍ واسعٍ ليستخدمه كلّ من الأكاديميين والباحثين والاستشاريين لمعامل إنتاج الأعلاف الصغيرة في تكوين تراكيب أعلاف متّزنة وفقاً لطريقة البرمجة الخطية ((LP. يُعتبر برنامج إكسل Excel من أسهل البرامج التي يمكن العمل عليها لتكوين تراكيب الأعلاف، لكن ما يعاب عليه هو عدم دقة نتائجه وخاصةً في حالة عدم تفعيل الأداة Solver التي تعمل على حلّ المعادلات بصورةٍ تلقائية، أو استخدامه من قِبل أشخاصٍ غير متخصّصين في مجال التغذية. كما تتوفّر عدة برامج مجانية ومدفوعة متوفرة على الشبكة العنكبوتية أغلبها تستخدم طريقة البرمجة الخطية (LP) لتكوين تراكيب أعلاف الدواجن لكن أغلبها ذات إمكانياتٍ محدودة كما هو الحال في برنامج Feedsoft، Winfeed وUFFDA النسخة القديمة التي تعمل تحت نظام DOS، وتمّ أيضاً تطوير البرنامج UFFDA في جامعة جورجيا الأمريكية من قبل Pesti وMiller عام 1993م. أما النوع الثالث من البرامج فهي عبارة عن البرامج التجارية العملاقة المدفوعة والتي تستخدمها أغلب الشركات العالمية لصناعة الأعلاف (Feed) والمركزات (Concentrates) والمكمّلات (premixes)؛ تضمّ هذه البرامج بالإضافة إلى وظيفة تكوين التراكيب على أنظمة SQL Systems للتحكم في كافة العمليات الإنتاجية للمصنع كعمليات ضبط مخازن الوارد والصادر وبقية العمليات اليومية في مصانع الأعلاف العملاقة والمتعلقة بحسابات خدمة العملاء. تُعتبر هذه البرامج دقيقةً ولا يمكن العمل عليها إلا من قبل متخصّصين ومدرّبين ماهرين، حيث تصل قيمة النسخة من هذه البرامج إلى أكثر من 10 آلاف دولارٍ أمريكي، ومنها برنامج Brill، Allix، AFOS، Optimix وبرنامج BESTMIX وهو البرنامج الأول عالمياً والذي تمّ تصميمه وإنتاجه من قِبل شركة ADIFO البلجيكية، وتمنح الشركة نسخةً شخصيةً محدودة الإمكانيات من البرنامج للاستشاريين والأكاديميين بحيث تحتوي هذه النسخة على نظام تكوين تراكيب أعلاف الدواجن فقط.
ثالثاً: طريقة البرمجة العشوائية أو الاحتمالية Stochastic Programing Method (SP)
إن وجود التباين أو الاختلاف في محتوى العناصر الغذائية لكلّ مكوّنٍ هو أمرٌ حتميٌّ وشائعٌ يفرض خطرَ عدمِ تحقيق المستويات المستهدَفة والمطلوبة من العناصر الغذائية في تركيبة العلف. تتمثل إحدى الطرق الشائعة لإدارة هذه المخاطر في توفير هامشِ أمانٍ إمّا عن طريق التقليل من قيمة المكوّنات (فعلى سبيل المثال، قد يتمّ التعامل مع مسحوق السمك الذي تبلغ قيمته المتوسطة من البروتين الخام 62% على أنه مسحوق سمك تبلغ قيمته من البروتين الخام عبارة عن 61.8%) أو الإفراط في تكوين الأعلاف (على سبيل المثال، يمكن تكوين تركيبة علفية ذات قيمة بروتين خامٍ مستهدفٍ تبلغ 23% بقيمة بروتين خام مستهدف تبلغ 23.2%)، وفي هذه الحالة، تحتّم نتيجة اتباع هذا الأسلوب يحم فرض تكلفةٍ إضافيةٍ لتركيبة العلف. لذلك فإن توفر البرمجة الاحتمالية (SP) المُشار إليها أيضًا باسم البرمجة المقيّدة بالفرص طريقة برمجة غير خطية (Nonlinear Programing) أو البرمجة الاحتمالية (SP) لتكوين تراكيب أعلاف الدواجن من خلال مراعاة وجود التقلّب في أسعار ومحتوى العناصر الغذائية واحتمال تلبية احتياجات العناصر الغذائية للطائر. هذا ويمكن لأغلب برامج تكوين تراكيب أعلاف الدواجن المدفوعة والمذكورة سابقاً تنفيذ طريقة SP ومنها برنامج WinFeed المُصمَّم والمُنتَج في جامعة كامبردج البريطانية في العام 2004م لإعطاءنا تراكيب أعلاف متّزنة بغاية الدقة وبأقلّ التكاليف.
تمتلك البرامج التجارية المدفوعة التي تستخدمها شركات ومصانع الأعلاف العالمية العملاقة خصائص ومواصفاتٍ وخياراتٍ متعدّدة وممتازة بحيث يمكن الاستفادة منها واستخدامها في تكوين تراكيب الأعلاف والمركّزات والمكمّلات الغذائية للدواجن كما يلي:
1. يمكنها القيام بإجراء البرمجة لتركيبةٍ واحدة أو عدة تراكيب في آنٍ واحد وتصنّفها ضمن ما يُسمّى بالخليط الواحد (Single Mix) والخليط المدمج أو الخليط المتعدّد (Multi Mix).
2. تميزها بقدرة تكوين تراكيب مخاليط الأعلاف الكاملة (Total Feed Mix)، المركزات البروتينية (Protein Concentrates)، مكمّلات الأملاح المعدنية والفيتامينات (Vitamin and Mineral Premixes) وتصميم تراكيب لأي إضافات غذائية (Feed Additives) أُخرى وذلك بحسب طلب الزبون.
3. امتلاكها لقاعدة بياناتٍ عملاقة للتحليل الكيميائي لمواد العلف والمواد الأولية من مصادرها الموثوقة مع المحافظة على حقوق الملكية الفكرية لهذه البيانات التي تتوافق مع نتائج أي مختبرات أو معامل تحليل الأعلاف (Integration with Laboratory Data)، ما يجعل التحليل الكيميائي للتراكيب الناتجة عن هذه البرامج دقيقةً ومطابقةً لنتائج تحليل أيّ عينة تمّ إرسالها إلى أي مختبرٍ أو معمل لفحص العينات.
4. قدرتها على تحليل اختبار الحساسية (Sensitivity analysis Test) وهي الخاصية التي يتطلّبها تكوين التراكيب بحيث يمكنها التنبؤ حول سعر الظل لأي مادةٍ علفية أو عنصرٍ غذائيٍ داخلٍ في التركيبة ومدى تأثير الوحدة الواحدة منه في السعر النهائي للتركيبة.
5. تمتّ ّعها بخاصية البرمجة الاحتمالية (SP) في تكوين تراكيب الأعلاف والمركّزات والمكمّلات الغذائية للدواجن.
كما تجدر الاشارة إلى أنه ومع كل ما سبق من سرد لطرق وبرامج تكوين تراكيب أعلاف متزنة، مثالية وغاية في الدقة إلا أن المشكلة الوحيدة التي تظلّ قائمةً هي القيام بتكوين التراكيب من قبل أشخاص غير متخصّصين لا يمتلكون القدرة على تعويض ما تنقصه هذه البرامج من حدسٍ لنتائج جميع التداخلات والتفاعلات الكيميائية في ما بين المكوّنات الدقيقة وبين احتياجات الجسم الفسيولوجية ومعالجة هذه المشاكل وتصحيح الأخطاء إن وجدت. السبب أن هذه البرامج أيا كانت دقتها وتصميمها، فهي لن تستطيع القيام بتصحيح أي أخطاء ناتجة عن استخدام بيانات غير صحيحة إلا إذا ما كان مستخدمها ذا علمٍ ودرايةٍ وخبرة. ومن ناحيةٍ أُخرى قد تكون هناك أيضاً أخطاء في إعدادات البرنامج، أو درجة الجودة أو التلوث أو التحليل الكيميائي الدقيق للمكونات المتاحة، لذا يمكن القول إن جودة التراكيب العلفية التي سوف يعطيها البرنامج، عبر جهاز الكمبيوتر وبواسطة استخدام نظام البرمجة الخطية أو الاحتمالية، تعتمد على دقة وصحة البيانات التي تمّ إدخالها مسبقاً إلى البرنامج.
خلاصة:
نستنتج ممّا سبق أن أي عمل يحتاج إلى تطوير ومتابعة. فبعد توضيح الطرق والبرامج المُستخدَمة حالياً لغرض إنتاج الأعلاف والإضافات التي تُعتبر صحيحة بل وصحيحةً جداً شريطة أن ينفّذها المتخصّصون وبحيث تتناسب البيانات المدخلة تمامًا مع:
• احتياجات النوع، السلالة والجنس للطائر المراد تغذيته بهذه التراكيب.
• نوع ومصدر وجودة وتحليل المواد الخام الأوّلية المستخدَمة في تكوين تراكيب الأعلاف.
• الظروف البيئية والتضاريس الجغرافية لمنطقة التربية في أي بلدٍ كان، حيث أن لكل منطقة جغرافية خصائصها البيئية من درجة الحرارة والرطوبة والتضاريس المختلفة كالارتفاع أو الانخفاض عن مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى عوامل أخرى متعدّدة تؤثر وبشكلٍ ملموسٍ في جودة التراكيب الناتجة، لينعكس هذا التأثير سلبا ًعلى الطائر المُغذّى على هذه التراكيب.
وبهدف الوصول إلى الغاية المنشودة بدقةٍ عالية، يتحتّم على الجميع التعاون والتنسيق المستمر في ما بين المتخصّصين في هذا المجال وبين المستثمرين ومراكز الأبحاث والجامعات والجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة للعمل بشكلٍ جماعي وبروح الفريق الواحد.
وعليه فإنني أبادر وأدعو الجميع لذلك لما فيه المصلحة العامة والخاصة ليكون نواةً للعمل الصحيح والمُنظَّم بهدف مواكبة التطورات والارتقاء بقطاع الدواجن في منطقتنا العربية.