Read the magazine Online  تصفح المجلة مجان

طرائف الحيوانات والدجاج في اللغة والشعر العربي
إعداد: د. خالد عكاشه - مصر

1. الدجاج في اللغة العربية
مقدمة

قرّرت أن نخفف عن القارئ صعوبة المواضيع العلمية المتعلّقة بتربية وتغذية الدواجن، وأن نأخذه في رحلة في أعماق اللغة العربية وجمالها.
أردت أن أتناول بعض الطرائف عن الحيوانات والدجاج في بعض ما ذكر في أهم كتب التراث العربي، وسنقوم بنشرها على حلقات. سنبدأ في الحلقة الأولى بتناول بعض الطرائف التي ذكرت عن الدجاج في كتب التراث والشعر.


ذكر الله تعالى الطير كثيراً في القرآن الكريم، واعتبره من مأكل الجنّة عندما قال في وصف طعام أهل الجنّة: "وفاكهة ممّا يتخيّرون ولحم طير ممّا يشتهون". فلحم الطير لحم خفيف. أمّا منافعه فكثيرة؛ فهو أخفّ من اللحوم الحمراء. وذكر ابن عاشور العالِم الفقيه في تفسيره للآية أنّ لحم الطير هو أرفع اللحوم وأشهاها وأعزّها، ويحتمل أن يكون ذلك هو السبب لتخصيصه بالذكر في هذه الآية الكريمة.
دواجن الطير، والحيوان في قاموس المعاني هي: ما اعتاد من الطير الإقامة مع الإنسان - ما أَلِف البيوت وأقام بها مع الناس من الحيوان والطير. ويقول ابن طفيل: اتَّخذ الدواجن لينتفع ببيضها وفراخها. وعلى هذا المبدأ كانت بدايات إستخدام البشر للدواجن؛ إذ كانت توفّر اللحم والبيض والريش.
تعود عمليات تدجين الدجاج إلى أكثر من 7000 سنة، وربما إلى 10 آلاف سنة. وتشتمل، على الأقل، إثنين من الأنواع أو الأجناس البرّية. وقد عثر علماء الآثار على بقايا عظام الدجاج في مواقع في شمال شرقي الصين، يرجع تاريخها إلى نحو 5 آلاف و400 سنة قبل الميلاد. ولأنّ أسلاف الطيور البرّية لم تعش في تلك السهول الباردة والجافّة، فمن المرجّح أنّها جاءت من مكان آخر، على الأرجح جنوب شرقي آسيا.

دَجَاجٌةٌ، دُجاجٌ، دِجاجٌ. جمع: دُجُجٌ. (حيوان): مِنَ الطُّيُورِ الدَّوَاجِنِ، مِنْ فَصِيلَةِ التُّدْرُجِيَّاتِ، وَهُوَ أنْواعٌ مِنْه: الدَّجَاجُ الهِنْدِيُّ وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِدَجَاجِ الحَبَشِ، وَالدَّجَاجُ الرُّومِيُّ وَهُوَ كَبِيرُ الحَجْمِ.
المعجم الغني:
دجاج، طائر داجن، من أنواعه "الدجاج الهندي" المعروف بـ "دجاج الحبش" أو "الدجاج الرومي|، جمع : دجج.
الدجاج: اسم للذكر والأنثى، وإنّما دخلته الهاء على أنّه واحد من جنس مثل حمامة وبطة، والجمع دجاج ودجائج، ودجاجات ودُجج، ودِجْ دِجْ والدُّجُّ: الفُّروج.
وفي اللهجات العامية، له عدّة أسماء: في مصر الفراخ، وفي سوريا يسمّى الفروج، في العامية المغربية يسمّى بـ الفلّوس بتشديد اللام.
والديك: ذكر الدجاجة. جمعه ديوك، ودِيكة، وأدْياك. وتصغيره دويك. ومن أسمائه، الأنيس، والمؤانس، وكنيته: أبو حسَّان، وأبو حمَّاد، وأبو سليمان، وأبو عقبة، وأبو مدلج، وأبو المنذر، وأبو نبهان، وأبو يقظان، وأبو برائل.
الأعرابي وقسمة الدجاج
حدَّثَ أعرابيٌّ كان ينزل بالبَصرة قال: "قَدِمَ أعرابيٌّ من البادية، فأنْزَلْتَه، وكان عندي دجاجٌ كثيرٌ ولي امرأةٌ وابنان وابنتان، فقُلْت لامرأتي: بادِرِي واشْوِي لنا دجاجةً وقدّميها إلينا نتغدّاها. فلمّا حضَرَ الغداء جلسنا جميعاً: أنا وامرأتي وابناي وابنتايَ والأعرابيُّ، فدفعنا إليه الدّجاجة فقُلنا له: اقسمها بيننا (قدّمها لأنّه الضيف). فقال: لا أُحسن القسمة، فإن رضيتم، قَسَمْتُها بينكم؟ قُلنا: فإنَّا نَرضى. فأخذ رأس الدّجاجة فقَطَعَه وناولنيه، وقال: الرأس للرَّأس. وقطع الجناحين وقال: الجناحان للابنين، ثمّ قطع السّاقين فقال: الساقان للابنتين. ثمّ قطع الزمكَّى (منبت ذنب الطّائر) وقال: العَجُزُ للعُجُزِ، والزَّوْرُ للزّائِر! فأخذ الدّجاجة بأسرها وسَخِرَ بنا.
فلَمَّا كان من الغدِ، قُلت لامرأتي: اشوي لنا خمس دجاجاتٍ. فلمّا حضر الغداء قُلْت اقسُم بيننا، قال: أَقْسُم شِفْعًا أو وِترًا.
قُلنا اقْسُم وِتْرًا، قال: أنتَ وامرأتك ودجاجةٌ، ثلاثة. ورمى إلينا بدجاجةٍ.
ثمّ قال: وابناك ودجاجةٌ، ثلاثةٌ، ورمى إليهما بدجاجةٍ.
ثمّ قال: وابنتاكَ ودجاجةٌ، ثلاثةٌ ورمى إليهما بدجاجةٍ.
ثمّ قال: أنا ودجاجتان، ثلاثةٌ، وأخذ دجاجتين وسخر بنا.
فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه فقال: ما تنظرون؟
لعلّكم كرهتم قسمتي الوِتْر؟ لا يجيء إلّا هكذا، فهل لكم في قِسمة الشِّفْعِ؟ قُلنا نعم.
فضمَّهنَّ إليه ثمّ قال: أنت وابناك ودجاجةٌ أربعةٌ. ورمى إلينا بدجاجةٍ.
ثمّ قال: والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعةٌ. ورمى إليهنّ بدجاجةٍ.
ثمّ قال: أنا وثلاث دجاجاتٍ أربعةٌ، وضمّ إليه الثّلاث، ورفع يديه إلى السّماء وقال: اللّهمَّ لك الحمدُ، أنت فَهَّمْتَنِيْهَا.
قصة أياس بن معاوية
قال أبو الحسن: "كان إياس بن معاوية وهو صغير، ضعيفاً دقيقاً دميماً، وكان له أخ أشدّ حركة منه وأقوى. فكان معاوية أبوه يقدّمه على إياس، فقال له إياس يوماً: "يا أبت! إنّك تقدّم أخي عليّ، وسأضرب لك مثلي ومثل: هو مثل الفرّوج حين تنفلق عنه البيضة، يخرج كاسياً كافياً نفسه، يلتقط، ويستخفّه الناس، وكلّما كبر انتقص، حتى إذا تمّ فصار دجاجة، لم يصلح إلّا للذبح. وأنا مثل فرخ الحمام حين تنفلق عنه البيضة عن ساقط لا يقدر على حركة، فأبواه يغذوانه حتّى يقوى ويثبت ريشه، ثمّ يحسن بعد ذلك ويطير، فيجد به الناس، ويكرّمونه، ويُرسل من المواضع البعيدة فيجيء، فيُصان لذلك ويكرّم، ويُشترى بالأثمان الغالية". فقال أبوه: "لقد أحسنت المثل!!". فقدّمه على أخيه، فوجد عنده أكثر ممّا كان يظنّ فيه".
قصّة طريفة حدثت مع الشاعر المعروف أبو نواس في عهد هارون الرشيد
بينما كان أمير المؤمنين هارون الرشيد في مجلسه، وعن يمينه ويساره الوزراء والعظماء من أهل مملكته وأصحاب الرأي عنده، دخل عليه حاجبه معلناً قدوم أبي نواس. فقال الخليفة: "دعه ينتظر قليلاً". ثم نظر إلى جلسائه، وقال: "هذه فرصة سانحة نضحك فيها على أبي نواس، ويجب أن أستحضر لكلّ منكم بيضة تخبئونها في طيّات ثيابكم حتى إذا دخل أبو نواس، يتكلّم كلّ واحد منكم بكلام، فيتكلم أحدكم كلمة أغضب عليكم عند سماعها، وأقول: يا لكم من ضعاف مثل الفراخ، تالله إذا لم تفعلوا مثل الدجاج، ويبيض كلّ منكم بيضة لأقطعنّ رقابكم. فقالوا: "سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين". وعندئذ طلب الخليفة الحاجب، وقال له: "إذهب فاستحضر ست بيضات، ولا تدع أحداً يراك، خصوصاً أبو نواس. فخرج الحاجب، وعاد منفّذاً أمر الخليفة، وأعطى لكلّ من الجالسين بيضة، خبأها بين طيّات ثيابه، وجلسوا ينتظرون. ودخل أبو نواس فسلّم على أمير المؤمنين سلام الخلافة، وأظهر الرشيد إنتباهه إلى حديث جلسائه، ونطق أحدهم بكلمة فغضب منها الرشيد غضباً شديداً، فصاح بهم: "ويحكم أيّها الجبناء! إنّكم مثل الدجاج، ولا أجد فرقاً بينكم وبينهم والله! إن لم يبِض كلّ منكم بيضة لأقطعنّ رقابكم". فأظهروا الاضطراب والخوف، وأخذوا يفعلون كما تفعل الفراخ. وبعد قليل، مدّ الأول منهم يده إلى مؤخرته، فأخرج بيضة، وقال: "ها هي بيضتي يا أمير المؤمنين"، وأعقبه الثاني، والثالث إلى السادس، وكان الخليفة يقول لكلّ مَن يقدّم بيضه: "قد نجوت". ولمّا جاء دور أبو نواس، وقف على قدميه ومشى حتى توسّط الجميع، وصار أمام الخليفة وجهاً لوجه، ثم صار يقول: "كاك، كاك، كاك". كما يفعل الديك بين زوجاته الدجاج، ثم ضرب إبطيه على بعضهما، وصاح بأعلى صوته كما يفعل الديك تماماً، وقال: "كوكو، كو". فقال الخليفة: "ما هذا يا أبو نواس". فقال أبو نواس: "عجباً يا أمير المؤمنين، هل رأيت دجاجاً تبيض من غير ديك؟ هؤلاء فراخك وأنا ديكهم". فضحك الخليفة حتى كاد يسقط عن كرسيه، وقال له: "يا لك من خبيث ماكر، تالله لو لم تكن فعلت ذلك لعاقبتك، ثم أمر له بهدية، ومال معجباً بذكائه.
الدجاج في الشعر العربي
وقال النّمر بن تولب
أعذني ربّ من حصر وعيّ... ومن نفس أعالجها علاجا
ومن حاجات نفسي فاعصمنّي... فإنّ لمضمرات النّفس حاجا
وأنت وليّها وبرئت منها... إليك وما قضيت فلا خلاجا
وأنت وهبتها كوما جلادا... أرجّي النّسل منها والنّتاجا
وتأمرني ربيعة كلّ يوم... لأشريها وأقتني الدّجاجا
وما تغني الدّجاج الضيّف عني... وليس بنافعي إلا نضاجا
أأهلكها وقد لاقيت فيها... مرار الطّعن والضّرب الشّجاجا
وتذهب باطلاً غدوات صهبي... على الأعداء تختلج اختلاجا
جموم الشدّ شائلة الذّنابى... تخال بياض غرّتها سراجا
وشدّي في الكريهة كلّ يوم... إذا الأصوات خالطت العجاجا

أمير الشعراء أحمد شوقي والدجاج
وهناك قصيدة جميلة لأمير الشعراء أحمد شوقي، توضح أساليب الخداع والغش الذي يقوم بها البعض. فالديك ذهب إلى بيت الدجاج، وطلب منها أن تستضيفه، واستعطفها أن تقبله في بيتها، فخدع الدجاج وغرر بها، وأصبح هو صاحب البيت المتحكّم فيه، صار الدجاج، أصحاب البيت الأصليّين، لاجئين.
بينا ضعاف من دجاج الريف
تخطر في بيت لها طريف

إذ جاءها هندي كبير العرف
فقام في الباب قيام الضيف

يقول: حيا الله ذي الوجوها
ولا أراها أبداً مكروها

أتيتكم أنشر فيكم فضلي
يوماً، وأقضي بينكم بالعدل

وكل ما عندكم حرام
علي، إلاّ الماء، والمنام

فعاود الدجاج داء الطيش
وفتحت للعلج باب العشّ

فجال فيه جولة المليك
يدعو لكلّ فرخة وديك

وبات تلك الليلة السعيدة
ممتعاً بداره الجديدة

وباتت الدجاج في أمان
تحلم بالذلّة والهوان

حتى إذا تهلّل الصباح
واقتبست من نوره الأشباح

صاح بها صاحبها الفصيح
يقول: دام منزلي المليح!

فانتبهت من نومها المشؤوم
مذعورة من صيحة الغشوم

تقول: ما تلك الشروط بيننا
غدرتنا والله غدراً بينا!

فضحك الهندي حتى استلقى
وقال: ما هذا العمى يا حمقى؟!

متى ملكتم ألسن الأرباب؟
قد كان هذا قبل فتح الباب!
الدكتور حسان حتحوت وقصيدة في عشة الدجاج
ولد حسان حتحوت في مدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية في مصر، في 23 كانون الأول (ديسمبر) 1924، الثلاثاء 26 جمادى الأول 1343 هـ. وقد نشأ في بيت تحرّكه المشاعر الوطنية؛ فوالدته هي أول إمرأة ريفية تقود مظاهرة نسائية في مدينة شبين الكوم ضد الإنجليز، أثناء ثورة 1919، وخطبت في المتظاهرات تحمسهن للجهاد ضد الإنجليز. وبعد زواجها كانت تهدهد طفلها بقولها: "لقد نذرت يوم ولادتك أن أسمّيك حساناً، وأن أهبك لطرد الإنجليز".
وعندما رأت البوليس السياسي يعتقل إبنها لاشتراكه في العمل الوطني، أشارت للقيد الحديدي باكية، وقالت: "اللي في إيدك دُول وسام يا حسان".
ولحسان قصيدة رائعة عن الدجاج، يصف فيها حال أمّتنا العربية، والتي نرجو أن تصحو الأمّة العربية من غفوتها، ولا تكن كأمّة الدجاج مع العرسة (نوع من الفئران التي تتغذى على صغار الدجاج).
في عــشــة الــدجــاج
في عشـة شرقيـة عاليـة السيـاج
وخلف باب مغلـق ومحكـم الرتـاج
كانت تعيش في نعيـم أُمّـةُ الدجـاج
في فيض رزق غدق وظل أمن سـاج
سمينـة معجبـة بشحمهـا الرجـراج
لاهيـة إلاّ عـن الطعـام والــزواج
والبيض والفقس والانبسـاط والمـزاج
شعب يقضي العمر في أُنس وفي ابتهاج
خلف زعامـات لـه منفوخـة الأوداج
من كل ديك عرفه يُزرى بألـف تـاج
يصيح فيهـم بمثـل خطبـة الحجـاج
وينطق الزّور بلا خـوف ولا إحـراج
فتزدهي الديوك فـي عاليـة الأبـراج
كأنّه من زهوها الكباش في النعـاج
وداهمتها عرسـة في ذات ليـل داج
مطفئة منهن نـار جوعهـا المهتـاج
ما خطفت واحدة فالقوم في انزعـاج
راثين صداحين بالإشعـار والإهـزاج
باكين صيَّاحين بالشكوى والاحتجـاج
وركّزوا اهتمامهـم بالقفـل والمـزلاج
فعادت العرسة من صدع لدى الزجـاج
فقام منها واحد في مثـل لـون العـاج
يقـول إنّ داءَنـا ليـس بـلا عـلاج
إنّ البكاء والصراخ جهد بـلا إنتـاج
لـدي حـلٌّ أنا فيـه للخـلاص راج
إن عادت العرسة تُجبي باقي الخـراج
ثرنا جميعـاً ثـورة كهـادر الأمـواج
نوسعها نقراً كزخِّ المطـر الثجـاج
ونقذف العينيـن بالتـراب والعجـاج
فألف منقار على رأس ولو من صـاج
كفيلـة تُرديـه بالنـزف والإرتجـاج
صاحت به ديوكها من سائـر الفجـاج
ما هذه الطلاسم السـوداء والأحاجي
أنت العميل الخائـن المولـع باللجـاج
لسنا إلى رأيـك يـا دخيل باحتيـاج
لو كنت منّا ما جهلت شيمـة الدجـاج
ليس الشجاع عادة مـن قومـه بِنـاج
وقد يكون الصـدق سلعـة بـلا رواج
جزاؤه وقع العصـا ولسعـة الكربـاج
والعمر في غياهب السجن بلا إخـراج
الموت للمخلـص والإطفـاء للسـراج
تكرّرت بين الدجـاج قصّـة الحـلاج

المراجع:
كتاب الحيوان للجاحظ

March 2025
S M T W T F S
23 24 25 26 27 28 1
2 3 4 5 6 7 8
9 10 11 12 13 14 15
16 17 18 19 20 21 22
23 24 25 26 27 28 29
30 31 1 2 3 4 5

94 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع