التلوّث في مزارع الأسماك، وخطورته
إعداد: أ. د. صفوت كمال
مصر
(أ) المعادن الثقيلة
الزئبق – الكادميوم – الرصاص – النحاس – الزنك
تُعتبر المعادن الثقيلة من أهمّ الملوّثات التي تؤدّي إلى تلوّث الأسماك؛ فلذلك تشكّل خطورة عالية على الصحّة الأسماك والإنسان على حدّ سواء. ويرجع هذا إلى أنّها تؤثّر على العمليات الحيوية، والتكاثر في الأسماك.
- معظم هذا العناصر لها خاصية التراكم في الأنسجة.
- تؤدّى إلى حالات تسمّم عديدة عند الأسماك والإنسان.
- لوحظ أنّه عندما تزداد هذه العناصر عن الحدّ المسموح به عالميًّا من قبل منظّمة الصحّة العالمية WHO))، فيؤثر على العمليات الحيوية في الأسماك، إلى جانب ضعف الجهاز المناعي لجسم الأسماك؛ ممّا يزيد من نسبة إصابتها بالأمراض، حيث تُهاجَم الأسماك أولاً بالطفيليات، من ثم بالميكروبات الأخرى مثل البكتيريا والفطريات.
كما ثبت أيضاً، في الأونة الأخيرة، أنّ هناك علاقة قويّة بين الإصابة بالطفيليات، وتركيز المعادن الثقيلة؛ فمثلاً، وُجد أنّ لحوم الأسماك العالية الإصابة بالأطوار اليرقية لديدان التريماتودا (الميتاسيركاريا)، تحتوي على نسبة تركيزات أعلى من العناصر الثقيلة إذا ما تمّ مقارنتها بأسماك تحتوي على نسبة أقل، أو خالية تماماً من الأطوار اليرقية (الميتاسير كاريا). مثال آخر، عندما تمّ تقدير نسب بعض المعادن الثقيلة كالزنك، والكادميوم بأسماك مصابة بالديدان. هذه الأمثلة تؤكد لنا أن الطفيل لديه خاصية امتصاص المعادن الثقيلة بدرجة عالية وبالتالى تراكمها بأنسجة ولحوم هذه الأسماك. وفيما يلى توضيح لهذه العناصر الثقيلة وأهميتها الصحية.
1- الزئبق
يرجع المصدر الرئيسي لهذا العنصر الذي نجده في المياه، إلى مخلّفات المصانع، وبعض مخلّفات الصرف الزراعي؛ حيث تستخدم مركّباته غير العضوية كمبيد للآفات، كما تستخدم مركّباته العضوية كمبيد للفطريات. كما ترجع سمية هذا العنصر إلى كمّية كبيرة منه تترسّب من سطح المياه إلى القاع، ودائماً ما يحدث بما يسمّى بعملية الميثيلاشن (Methylation)، أي اتّحاد مركّبات الزئبق العضوية وغير العضوية في الترسيبات الموجودة في القاع وتحويله إلى مركّب أكثر سمية وهو ميثيل الزئبق؛ فهذه العملية تتمّ بمساعدة بعض أنواع من البكتيريا. الجدير بالذكر أنّه تمّ تقدير هذا العنصر في لحوم الأسماك، فوجد أنّها تفوق نسبة وجودها في طعام هذه الأسماك بحوالي عشر أمثالها، ودائماً ما يسبّب هذا العنصر تلفاً في الأنسجة الحيوية والأعضاء الداخلية، وكذلك التأثير الضارّ على عمليات التكاثر، ونمو الزريعة.
كما ويسبّب هذا العنصر في الإنسان مرض الميناماطا (Minamata Disease)، كنتيجة تناول كمّيات كبيرة من الأسماك الملوّثة بمثيل الزئبق. فيظهر هذا المرض في شكل أعراض عصبية، وخلل في الوظائف الحركية.
2- الكادميوم
يرجع مصدره الرئيسي إلى مخلّفات مصانع البلاستيك، وما تحويه من أصباغ وكذلك مصانع البطاريات. فهو يسبّب التسمّم ولو تعرّضت الأسماك له بتركيزات صغيرة جداً، ولفترة طويلة.
تظهر الأعراض السمية في شكل عدم فقس البيض، وعدم مقدرة اليرقات الصغيرة على النمو والوصول إلى مرحلة النضج. لا ننسى أيضاً الإصابة بالأنيميا، وتغيّرات بخلايا الدم الحمراء إلى جانب تلف في الأعضاء الداخلية والجهاز العصبي المركزي. كما يؤدّي هذا العنصر إلى ظهور مرض «إيطيا ـ إيطيي» عند الإنسان الذي يتناول الأسماك الملوّثة بتركيزات عالية من الكادميوم؛ وغالباً ما يظهر هذا المرض بوضوح عند العمال وصيادي الأسماك على شكل أنيميا، وفشل كلوي.
3- الرصاص
يُعتبر الهواء المصدر الرئيسي للتلوّث بهذا العنصر. أمّا المسبّب الرئيسي لهذا التلوّث هو عوادم موتورات السيارات. تتأثّر سمية عنصر الرصاص في الأسماك بوجوده في المياه؛ فمثلاً، يمكن تقليل نسبة ذوبانه في المياه عن طريق زيادة درجة القلوية للمياه، أو عن طريق رفع تركيزات عنصر الكالسيوم والماجنسيوم في المياه. فالتسمّم بعنصر الرصاص يسبّب تلفاً في أنسجة الخياشيم، فذلك دائماً يؤدّي إلى تموت الأسماك بالاختناق. أمّا في حالات التسمّم المزمنة، تحدث تغيّرات في مكوّنات الدم مع تلف الأعضاء الداخلية والجهاز العصبي المركزي. يؤدّي التسمّم بالرصاص عند الإنسان إلى العديد من الأمراض؛ مثل الأنيميا، خاصة عند الأطفال، والسيدات الحوامل، هذا إلى جانب الإعاقة الذهنية والعصبية عند الأطفال.
4- النحاس
يعتبر هذا العنصر من المعادن الخطرة جدًّا على صحّة الأسماك عندما يكون مُذاباً في الماء، حيث أنّ القابلية السمية لهذا العنصر تزداد كثيراً في حالة وجود بعض المعادن الأخرى أيضاً كالزنك والكادميوم. فدائماً ما يكون مصدره في المياه كنتيجة إستخدامه في المزارع السمكية لعلاج الكثير من أمراض الأسماك، وتظهر الأعراض الإكلينيكية على الأسماك على شكل صعوبة شديدة في التنفّس؛ فدائماً ما تقفز الأسماك إلى السطح لأخذ كمّية كبيرة من الهواء؛ كما تغطي، الخياشيم والسطح الخارجي للأسماك، كمّية كبيرة من الإفرازات المخاطية. أمّا الإنسان فيصاب بالأعراض السمية لعنصر النحاس كنتيجة أخذ كمّيات كبيرة من عنصر النحاس والتي تشمل تلف بالأوعية الدموية، وكذلك أنسجة الكبد والكلى؛ إلى جانب إلتهاب شديد بالجهاز العصبي المركزي.
5- الزنك
أمّا الزنك يعتبر عنصراً سامًّا للأسماك عندما يكون مذاباً في الماء. فأعراض التسمم به تتشابه بأعراض التسمم بالنحاس، بالإضافة إلى أنّ القابلية السمية للزنك قد تزداد كثيراً في حالة وجود الكادميوم والنحاس في الوقت نفسه.
يمكن تقليل التسمّم بالزنك عن طريق زيادة تركيز الكالسيوم بالمياه، بالإضافة إلى عدم إستعمال مواسير أو أحواض مطلية بالزنك في المزارع السمكية، فالتسمّم بالزنك يؤدّي إلى ظهور الأعراض الآتية: القيء، والجفاف، واختلال توازن المعادن بالجسم، إلى جانب الآلام الشديدة بالبطن، وضعف في العضلات؛ في بعض الأحيان يسبّب التسمّم بالزنك إلى الفشل الكلوي الحادّ.
(ب) المواد التي توجد بالماء، وتعتبر سامّة بالنسبة للأسماك
1- مخلّفات تستهلك الأوكسجين: مخلّفات المنازل ـ بقايا أكل الحيوانات ـ مخلّفات الألبان ومنتجاتها.
2- عناصر سامّة: الألومنيوم ـ الأنتيمونيا ـ الأرزينيك ـ الزئبق ـ الزنك ـ النحاس ـ الحديد.
3- إيونات: توجد بصورة طبيعية في الماء إيونات الكالسيوم ـ الماجنسيوم ـ الصوديوم ـ البوتاسيوم ـ الكربونات ـ الكبريتات.
4- غازات سامّة: الأمونيا ـ الكلورين ـ ثاني أكسيد الكربون ـ الأوزون ـ كبريتيد الإيدروجين.
5- مواد عضوية: الكحوليات ـ المواد الطيّارة ـ الأحماض العضوية ـ السيانيد ـ الزيوت ـ مركّبات الفينول.
6- المبيدات: المبيدات الحشرية.
7- مركّبات علاجية: المالاكيت الأخضر ـ النيراميسين ـ الفورمالدهيد ـ المضادات الحيوية.
1- التسمّم بوجود مخلّفات تستهلك الأوكسجين
دائماً ما تكون أعراض نقص الأوكسجين واضحة في المزرعة، وهي قفز السمكة المتكرّر إلى فوق سطح الماء، والخمول، وقلّة الحركة.
يمكن تحديد ذلك بإجراء القياسات التالية:
أ- قياس الأوكسجين البيوكيميائي المطلوب.
ب- قياس الأوكسجين الكيميائي المطلوب.
2- التسمّم بعناصر سامّة
وجود هذه العناصر السامّة قد يسبّب نفوق. ولكن بالذكر أنّها غالباً ما تتراكم في الكبد، والكِلى، والعظام، والخياشيم. تكمن الخطورة في أنّه يصعب اكتشافها مبكراً، بالإضافة إلى أنّ نمو السمكة ومعدل تكاثرها يقلاّن، ومن الإختبارات الفعّالة في هذه الحالة تكمن في تحليل صورة الدم، وتحليل مكوّنات الماء والرقم الإيدروجيني لها.
3- التسمّم بإيونات توجد بصورة طبيعية في الماء
يصعب ملاحظة أعراض هذا التسمّم بدون معرفة جغرافية للمنطقة، ومصدر الماء. قد يؤدّي التركيز العالي لتلك الإيونات إلى التأثير على وظائف الكِلى، ممّا يسبّب إرتشاحاً بجسم السمكة؛ كما يحدث نقصاً في وزن السمكة، مع خلل في وظائف الجسم الفسيولوجية، ممّا ينتج عنه نفوق السمكة.
الإختبارات المطلوبة في هذه الحالة هي معرفة صورة الدم والأنزيمات، بالإضافة إلى تحليل الماء الذي تعيش فيه الأسماك.
4- التسمّم بالغازات السامّة
تنتج الأمونيا من الصناعات، ومواد التنظيف، وتحلّل بعض البكتيريا؛ فغاز الأمونيا يذوب في الماء. أمّا الأسماك التي تتسمّم بالكلورين، فإنّها تعاني من فقدان التوازن مع ظهورعلامات ضيق يعقبها نفوق.
أمّا غاز كبريتيد الإيدروجين فإنّه ينتج عن تفاعلات البكتيريا التي توجد في قاع البحيرات والمستنقعات. لذلك يؤثّر على فقس البيض، ويقتل الزريعة الصغيرة؛ فينخفض معدّل الإنتاج والتكاثر. لقياس نسبة الكبريتيد في الماء، يجب ومراعاة أخذ العينة بأقل تهوية وتحريك للماء، كما يجب تحليلها فور أخذها لأنّ الأكسجين الموجود في الهوء قد يتفاعل مع الكبريتيد مقلّلاً نسبته.
5- التسمّم بمواد عضوية سامّة
توجد الزيوت، والبترول، والمواد الطيارة في الماء. فهي تتراكم في جسم السمكة، وتحدث تغيّرات باثولوجية كثيرة؛ منها تقرّحات فى القرنية، زيادة خلايا الماكروفاج في الكِلى والطحال، مع وجود بقع نزفية في الكبد. أمّا مركّبات الفينول، فإنّ تراكمها يحدث تلف أنسجة الخياشيم، والكبد، والكِلى مع إرتشاح وأنيميا ونفوق. من أشهر المواد السامّة للأسماك هي المنظّفات التي تستعمل في المنازل، والمصانع، وتوجد في مياه الصرف.
6- التسمّم بالمبيدات
تختلف أعراض التسمّم بحسب نوع المبيد، ونوع السمك. فقد تظهر أعراض تقلّصات تنتهي بالشلل. كما أنّ التعرّض لهذا التسمّم يسبّب تشوّهات خلقية؛ إلى جانب إنخفاض معدّل النمو. من المبيدات العالية السمية للأسماك هو الريتينون الذي يسبّب إختناق، وفقدان التوازن، ثم النفوق بنسب عالية.
7- التسمّم بالمركّبات العلاجية
أثبتت التجارب أنّ كثيراً من المضادات الحيوية مثل الكاناميسين والأريثروميسين قد يكون لهما أثر سامّ على الأسماك. أمّا استمرار استعماله لفترات طويلة قد يسبّب تكوين بقع نزيفية في الكبد والكِلى، بالإضافة إلى تشوّهات خلقية في الزريعة. على صعيد آخر، فمركّبات السلفوناميد التي تتراكم في الكِلى تسبّب أيضاً خللاً في وظائفها. أمّا المالاكيت الأخضر، فإنّه يسبّب إلتهاباً في الأغشية المبطّنة للقناة الهضمية والخياشيم، كما أنّه يقلّل نسبة الكالسيوم والكوليسترول في الدم.
أمّا بالنسبة لكبريتات النحاس التي غالباً ما تكون غاية في السمية إذا زادت مدّة العلاج أو جرعته، فإنّها تقلّل كرات الدم الحمراء، ونسبة البروتين في الدم؛ كما تحدث خللاً في خلايا الكبد والعضلات، ممّا تسبّب انخفاض نسبة الكوليسترول في الدم. والجدير بالذكر أنّ كلّ هذه التغيّرات لا تعود إلى صورتها الطبيعية حتى بعد توقّف العلاج بكبريتات النحاس.